إشري نيوز عربية

جريدة مستقلة شاملة

عنايات الزيات الكاتبه المنتحرة والتي أثرت في وجدان النقاد والتي كتبت عنها نادية لطفي في مذكراتها فصلاً كاملاً!!!

 

كتبه : سامي لبن

 وسلوي عطيه .

 

تزوجت الكاتبة (عنايات_الزيات) رجلا سيء الطبع والخلق، وأنجبت منه ولدا ثم تطلقت، وبقي ابنها معها حتى انتقلت حضانته لأبيه بعد سبع سنين، كان ابنها يزور والده وزوجتة الجديدة باستمرار فكانوا دائماً يقلبونه على أمه (عنايات) يعود الولد لأمه مشحوناً_بالكلام_شحناً زائداً مخيفاً

 

يخرج من أمه وهو يحبها، ثم يعود لها كارهاً لها لدرجة أنه كان يرفض أن يناديها ماما.
#كبر_وكبرت_معه_الكراهية_لوالدته.في احد المرات رجع من والده ، وقابلته أمه ففتحت ذراعيها لتحتضنه فقال لها بتهكم: إزيك يا طنط. دخلت بعدها في رحلة اكتئاب شديد #وكتبت_في_إحدى_يومياتها نحن لا نملك أحداً ولا يملكنا أحد
الحياة تتغير، والأشخاص، ولا شيء يبقى حتى الأبناء
حتى #الذين_تكوَّنوا_بداخلنا، وتغذوا على دمائنا،ودفعنا ثمنهم آلامَ المخاض المروعة حتى هذا الذي ورثَ بعض صفاتي.. وملامحه ملامحي، حتى هذا الذي ابتسامته ابتسامتي

 

 

#وإصبع_قدمه_الصغيرة_المعوجة، مثلها بقدمي حتى هذا الذي أرضعته مع اللبن حبي.. حتى هذا الذي أرقتُ لينام..
حتى هذا يتغير.. حتى هذا ينساني.. إنه لم يرَ الحياةَ بعد..
ثم انتحرت بعد فترة قصيرة إثر هذه الكلمة التي قالها لها بنها ” إزيك يا طنط…

#ومن_مذكرات_نادية_لطفي تكشف علاقتها بالكاتبة عنايات الزيات: زواجها بداية المأساة وانتحارها أول صدمة بحياتى.. كتبت عنى فى “الحب والصمت”.. ناديتها على فراش الموت “إزاى تعملى كده فى روحك؟.. ورفضت السير فى جنازتها

#أشارت_نادية_لطفى فى بداية المذكرات إلى عنايات الزيات، وقالت إن ما حدث لها كان أول صدمة فى حياتى، لكنها خصصت لها فصلاً فى الكتاب تحت عنوان “عنايات الزيات.. أول مثقفة فى حياتى”.
#أول_نموذج_من_المثقفين_عرفته فى حياتى كانت هى صديقة عمرى وزميلتى فى سنوات دراستى بالمدرسة الألمانية.. عنايات الزيات.

وعنايات #كانت_أختى_التى_لم_تلدها_أمى، ولو رزقنى الله بأخت ما كانت لأحبها مثلما أحببت وارتبطت بعنايات، فقد عوضتنى كثيرًا عن وحدتى وحرمانى من وجود أخ أو أخت، كما أننى #كنت_أقرب_إليهامن_شقيقتيها “عايدة” و”عظيمة” وكانت هى أوسطهن، والغريب أنها كانت تسبقنى بعام فى المدرسة الألمانية، ولكنها تعثرت سنة دراسية أو أجلت امتحاناتها لظروف خاصة بها فوجدتها فى العام التالى زميلتى فى الفصل.

#لم_تكن_عنايات_فى_البداية_اجتماعية، وحتى فى وقت الفسحة كانت تنزوى فى مكان بعيد وفى يدها كتاب غالبًا باللغة الألمانية التى تجيدها بطلاقة، مستغرقة فى قراءته، ولكننا أصبحنا أصدقاء عندما عرفت أنها مثلى تحب الرسم

#ونجمتنا_السينمائية_المفضلة واحدة هى فاتن حمامة، وبسرعة صرنا أصدقاء، بل ما هو أكثر من الصداقة، نخرج معًا ونتفسح معًا ونذاكر دروسنا معًا، ونختار فساتيننا من #نفس_القماش_ونفس_الموديل ونذهب إلى نفس الخياطة “مدام أفلاطون” وحتى فى إجازة الصيف سلطتنى على والدها “عم عباس” لأقنعه أن يحول وجهته من مصيف راس البر كما اعتاد إلى الإسكندرية كما اعتادت أسرتى لأكون مع عنايات.

 

#كنا_متشابهين_فى_كل_شىء، لدرجة أنها كانت تسمينى “أختى فى الرضاعة” ولم يفرقنا القدر حتى بعد زواجى، أنا تزوجت فى العام 1954، وحينها لم تكن تفارقنى فى فترة #التحضير_للزواج_والرحلات_اليومية إلى المحلات لشراء “الشوار” من ملابس وأدوات منزلية وغيره، وكانت هى بمثابة وصيفتى #يوم_حفل_زفافى، وقد تزوجت بعدى بعامين تقريبا فى شتاء عام 1956.
وكان زواج عنايات بداية رحلة العذاب فى حياتها، لم تغفر لنفسها ولا لأسرتها أنها تركت مدرستها قبل عام واحد من حصولها على “البكالوريا” وتحقيق_حلمها_بالالتحاق_بالجامعة، من أجل زوج “لقطة” كما ظنت أو تمنت، فقد كان طيارا من أسرة ثرية، بما يعنى أنها ضمنت حياة سعيدة ومستقرة، ولكنها فوجئت بزوج عصبى وعنيف، #نموذج_مختلف_تماما عما قرأت عنه فى الروايات الرومانسية وتمنت أن تعيش فى الواقع.
حاولت أت تتحمل فى البداية، خاصة بعدما رزقها الله بابنها الوحيد “عباس” لكنها

 

 

#وجدت_نفسها_تثور_وتنفجر وتطلب الطلاق، لم تكن ثورتها على حالتها الشخصية فقط، بل تثور على المجتمع كله الذى يظلم المرأة ويقهرها ويعاملها على أنها قاصر وتابعة وإنسان ناقص الأهلية، لم تتحمل روحها الحرة_المبدعة_المتمردة جدران السجن الذى وجدت نفسها فيه، فقررت أن تحطم قيودها.
طلبت عنايات الطلاق بعد ثلاث سنوات من تجربة زواجها التعسة، وعادت إلى بيت أبيها فى حى الدقى، تحمل طفلها الصغير، وقررت أن تفتح_صفحة_جديدة_من_حياتها وتبدأ فى تحقيق أحلامها، فالتحقت بعمل فى مكتبة المعهد الألمانى، والأهم راحت تحقق حلمها الأكبر فى أن تصبح كاتبة، #وفى_تلك_الظروف_الصعبة كتبت روايتها الوحيدة “الحب والصمت” التى كانت بمثابة صرخة من عذاباتها وغربة روحها وبحثها عن نفسها وثورتها على الدنيا التى ظلمتها.
ولم تكف عن #كتابة_خواطرها_الحزينة_الغاضبة التى تعبر فيها عن روحها المعذبة، وفى كل مرة كنت ألتقيها كانت تحمل إلى ما كتبته وما زلت أحتفظ بأوراقها، ولا أمنع نفسى من البكاء إذا ما قرأت كلماتها المكتوبة بدموعها “أيتها الجميلة فى النافذة، أيتها الحزينة…؟”

 

#كان_فى_داخلها_براكين من الغضب تشعر أن الدنيا خذلتها وأضاعت أحلامها، وحاولت أن تعبر عن هذا الغضب، فى الحب والصمت، كانت الرواية تجسيدا لتجربتها الشخصية، ومعاناتها وأحزانها، ولذلك أتصور أنها كانت تقصدنى بشخصية “نادية” صديقة نجلاء بطلة الراوية وموضع سرها والأقرب إلى قلبها.. وأظن أنها انتهت من كتابتها عام 1960 وفى #ظروف_شخصية_غاية_فى_القسوة عصبيا ونفسيا حيث كانت قد بدأت معركتها فى المحكمة من أجل الطلاق وانتزاع حريتها.

وبحكم قربى منها #قرأت_مسودة_الرواية، وشجعتها على نشرها، وفعلا قدمتها إلى “الدار القومية” وهى دار نشر حكومية أنشئت #بعد_ثورة_يوليو، وفى تلك الفترة حاولت إدماج عنايات فى الوسط الثقافى، وكنت قد ارتبطت بحكم عملى بالسينما بصداقات مع مثقفين ومبدعين وكتاب بداية من مصطفى محمود وأحمد رجب وأنيس منصور ويوسف السباعى وأذكر أننى صحبت عنايات لمقابلة يوسف السباعى #فى_مكتبه_بنادى_القصة.
وصحيح أننى انشغلت عنها فى تصوير أفلامى الجديدة، إلا أننى كنت حريصة على أن ألقاها كلما سنحت الفرصة، وكانت هى #تزورنى_أحيانا_فى_الإسكندرية مقر إقامتى بعد زواجى من القبطان عادل البشارى، أو أزورها فى القاهرة فى كل زياراتى.

 

 

أما عيد ميلادى فكان مناسبة لم تتأخر عنها أبدا، إلى أن كان يوم عيد ميلادى فى 3 يناير 1963 كنت قد اتفقت معها أن تمر على صباحا لنسافر معا إلى الإسكندرية لتحتفل معى بالمناسبة مع أسرتى هناك، فوجئت بها تعتذر، كان وجهها شاحبا وذهنها شاردا، وتغالب دموعها فى صمت، وعرفت منها أنها خلال الساعات الأخيرة تلقت صدمتين مروعتين وأنها فى حالة نفسية سيئة لن تمكنها من الاحتفال معى.

الأولى أن محاميها أخبرها أن محامى زوجها نجح فى الحصول على مستندات تفيد أنها تتلقى علاجا نفسيا ودخلت مصحة من قبل، مما يجعل زوجها فى موقف قانونى قوى يمنحه بسهولة حكم بحضانة “عباس” ابنهما الوحيد المتنازع عليه، وفقدانها لابنها هو عندها “كارثة” لن تستطيع تحمل تبعاتها.
ولأن المصائب لا تأتى فرادى فإنها تلقت كذلك اتصلاً من “الدار القومية” تخطرها بأن روايتها لا تصلح للنشر.

 

 

 

وحاولت جاهدة فى ذلك الصباح أن ألح عليها وأقنعها بأن تسافر معى حتى تنسى أحزانها، لكنها اعتذرت باستبسال وفضلت البقاء فى القاهرة على أن تزورنى فى صباح اليوم التالى بمجرد عودتى من الإسكندرية، ورجعت من السفر مرهقة ومنهكة واستسلمت للنوم، ولكن على استعداد للاستيقاظ بمجرد مجيئ عنايات، وكنت مشغولة البال عليها منذ أن اعتذرت عن حضور عيد ميلادى لأول مرة منذ كنا زميلات فى المدرسة.
ولما استيقظت فوجئت أننى نمت ساعات طويلة، وأن الليل قد حل وفوجئت باتصال أم عنايات تهنئنى بعيد ميلادى وتقول لى مداعبة: عنايات تأخرت عندك قوى، يا ريت تفرجى عنها بقى، فلت لها بجدية: عنايات مش عندى أصلاً.. وأخبرتنى أنها تركت لها ابنها فى الصباح متعللة بأنها ذاهبة لتزورنى ومن حينها وهى لم ترجع.

 

 

وتصوروا أنها تقضى بعض مشاويرها، ولكن الساعات مرت ولم تعد عنايات، وظلت فى حالة من الترقب، والانتظار والقلق، ولم يخطر فى بالهم أنها فى حجرتها جثة هامدة، إذ كانت تعيش مستقلة فى الطابق الثانى من البيت الذى بناه والدها فى الدقى، وكسروا الباب وبانت الكارثة، فقد كان بجوارها “#علبة_المنوم” فارغة ورسالة اعتذار لابنها الصغير.. إذن عنايات انتحرت.

لما أبلغونى بالخبر جريت كالمجنونة على بيتها، ما زلت أذكر العنوان بالضبط: 16 شارع عبد الفتاح الزينى، ميدان أسترا الدقى، وبدون تفكير دخلت حجرتها وقفلت الباب، كانت مسجاة على سريرها، قعدت أكلمها وألومها وأزعق لها، كأنها أمامى تسمعنى: ليه يا عنايات .. ازاى تعملى كده فى روحك؟ ورحت أضرب الجدران والأثاث بلا وعى، كأننى فى كابوس أريد أن أفيق منه، كانت الصدمة فوق طاقتى، وخرجت ولم تحتمل أعصابى أن أسير فى جنازتها لأننى لا أريد أن أصدق أنها رحلت ولن أراها ثانية.